قلعة أثرية لم يسمع بها أحد

   لولا ابن عين عكرين المحامي ميشال جرجس لـم نتمكن من زيارة (قصر الناووس)، تلك القلعة الرومانية الاثرية المشرفة على معظم قرى ودساكر قضاء الكورة في شمال لبنان. فلقد ألغى جميع مواعيده، وهو المحامي في الاستئناف، ليأخذنا إلى بلدته الرابضة في آخر قضاء الكورة، على ارتفاع 700 متر عن سطح البحر.
   مدير معهد الابجدية في مدينة جبيل، الدكتور عصام حداد، الذي رافقنا بتلك الرحلة، لـم يصدّق عينيه وهو يتطلع بالآثار الشامخة على مر التاريخ، وقال والحسرة تعصر قلبه:
ـ صدقوني انني لـم أسمع بقصر الناووس من قبل، وهذا تقصير من الدولة التي لـم تسلّط الضوء على هذا الأثر التاريخي الرائع.. وسأعمل المستحيل كي يأخذ القصر حقّه من الشهرة.
   وكيف يأخذ حقّه من الشهرة وكتاب (إعرف لبنان ـ 9 مجلدات) لعفيف مرهج، لـم يعرف أن هناك قصراً أثرياً ضخماً في عين عكرين؟.. بل تجاهله تجاهلاً تاماً، واكتفى بتعريف اسم البلدة، على انه بالسريانية (العين الثخينة)، وفي الارامية (العمود الطويل الضخم الذي يستعملونه في معاصر الزيت قديماً).. ومن يدري فقد يكون الاسم مشتقاً من العمود الطويل الضخم الباقي على باب قلعتها. كما أن الكتاب لـم يخبرنا عن كنيسة عين عكرين الاثرية المشيدة بالقرب من قصر الناووس، وكأنهما جاران لـم يفرّق بينهما الزمن، رغم قساوته وتقلباته.
   المحامي ميشال جرجس قال ان أبناء القرية يأتون إلى القلعة يومي السبت والأحد من أجل التنزه بها والتنعّم بجمالها.. وكم سنكون سعداء لو يجيء شعب لبنان كله، والأشقاء العرب، وكافة السيّاح، من أجل تمضية بعض الوقت في رحاب (قصر الناووس).. وأخبرنا أنه كان يمضي أوقات دراسته كلها معربشاً على أسوار القصر، ومتنعماً بمنظر الكورة الخضراء.
   ناطور القلعة كان يفرط بالشبّيط أكواز الصنوبر، وعندما رآنا عرض علينا المساعدة، وزوّدنا بكيس من الصنوبر تركناه في لبنان حتى لا نغضب الجمرك الاسترالي، الذي يمنع إدخال المأكولات على أنواعها، وخاصة النباتات والعسل.
   وعلى مدخل القلعة نصب الشاعر جورج خوري خيمته الدكان، وراح يعرض علينا جميع أنواع المشروبات المبرّدة، وعندما لـم نشرب، تطلّع بنا وقال: لن تغادروا هذا المكان وأنتم فارغي الأيدي، سأسمعكم هذه الردة الزجلية:
قصر الناووس حْجارو
من عمر بعلبك صاروا
شامخ تا كل الاجيال
تتفرجّلو ع أْثارو
   وما أن رأى الانشراح يغزو قسمات وجوهنا حتى قال:
قصر الناووس روماني
رح إنظم مرّه تاني
وإعمل حفله بعين عكرين
لحد السما علقاني
   فما كان مني، وقد أطربتني زجليّاته، إلاّ أن صحت:
قصر الناووس.. خْبارو
مقطوعه.. يا شحّارو
انشالله، بكرا، المسؤولين
بْيِمضوا كلّن عَ عْمارو
   فتطلع بي مندهشاً وصاح:
ـ حضرتك شاعر؟! يا أهلا بالشعراء.. آمل أن يسمع المسؤولون اللبنانيون دعاءك، وينفضوا الغبار عن أحجار هذه القلعة الرائعة، وأن يبدأوا بترميمها، عندئذ ندعو الكون كله إلى حفلة عامرة في بلدتنا المنسية هذه.
   ولكي لا تفوتنا حفلة عين عكرين، تواعدنا على اللقاء مجدداً في قصر الناووس، بعد أن يكون قد أخذ حصّته من الشهرة واهتمام المسؤولين.