وجهنم بالعز أفضل من الدولة

ـ ماذا تفضل الذهاب إلى جهنم أم إلى دوائر الدولة؟
لو طرحنا هذا السؤال السخيف المحرج، لأن بيني وبينكم لا يطلع أحد عن روحه، على سكان لبنان المقيمين والمغتربين، والذين على أهبّة الولادة، لأجابوا بصوت واحد: وجهنم بالعزّ أفضل منزل!
تتساءلون، ولا شك، لماذا يفضّلون وكر لوسيفورس اللعين على دوائر الدولة؟
أولاً: لأن الدخول إلى جهنم سهل ومجاني، عكس الدوائر التي تكلف ما فتح ورزق.
ثانياً: لأن المعاملة عندنا تنام في الجوارير نومة أهل الكهف، وقد لا تستيقظ إلاّ وقد استلم صاحبها رسالة مستعجلة من جهنم، تدعوه لتبوّء سدة رئاسة بلدية إحدى المقاطعات النارية الجافة، التي تشبه بالعرض والطول "بيروتنا الممتازة".
ثالثاً: هل رأيتم ميتاً ذاهباً إلى حيث البكاء وصريف الأسنان، وبجيبه بطاقة توصية من أحد النواب المكرشين لكثرة أكل الفراريج واللحوم، والزبدة، والبسكويت، والأموال، والإسمنت، والاسفلت "الزفت" إلى آخره؟
بالطبع لا، لأن التعامل هناك لا يتم بالواسطات والتوصيات كما هي الحال في برج بابل الدولة، حيث الفخفخة والرفاهية، وقراءة الجرائد والمجلات السياسية والفنيّة والجنسية، وأكل الحمص والفول والزيتون والفستق والبزر، حيث الكبرياء بأبهتها وجلالها متغلغلة برؤوس أصغر الحجّاب المياومين.
ومن منا يقدر على التحديق بوجوه الآخرين، كما يفعل حضرات الموظفين الكرام، فهم رغم سحنتهم القاطعة للرزق، ترونهم يودّون معرفة قياس أرجلكم وأجسامكم، وأي نوع من الأقمشة تلبسون، وكم تحملون من دراهم، وهل معاملتكم مهمة وسريعة، أم أنكم أتيتم للفرجة وأخذ الأشكال؟
رابعاً: إذا دخلتم، بدون سابق تصميم، دائرة حكوميّة، وخصوصاً تلك التي يعلّقون على بابها إحدى هذه اللوحات: "إحذر البرطيل" "هنا الخدمة مجانية" " لا ترش الموظفين"، فاعلموا أنكم من المغضوب عليهم، وأن أبواب جهنم لن تفتح لأمثالكم من البلهاء، أصحاب القلوب الطيّبة، والأيدي البيضاء السخيّة.
خامساً: جننت مرة وذهبت إلى دائرة تسجيل السيارات، فقبض مني سمسار يستغلّ اسم عائلته الرفيع، فيسيء بذلك إلى سيّد هذه العائلة خاصة والبلد عامة، مبلغ خمسين ليرة لبنانية، لقاء إمضاء واحد، وعندما رجوته أن يخفّف الأجر قليلاً، زعق بوجهي قائلاً: لا أقدر، فنصف هذا المبلغ سيتحوّل للمدير، هكذا بالحرف الواحد.
سادساً: من الصعب أن تروا مخلوقاً جهنمياً ينتعل حذاء، لكثرة النتوءات والتعاريج والغبار التي تقذفها فوهات البراكين، بينما في دوائر ستّنا الدولة، رحمها الله، فسمحوا لماسحي ألأحذية بدخول المكاتب، وعرض خدماتهم على الموظفين، لقاء عمولة معيّنة.
وليس هذا فحسب ما يثير الاشمئزاز، بل ذلك المنظر المقرف لموظف يجمل الجريدة بيديه والسيجارة في فمه، ويرفع إحدى رجليه للماسح "البويجي"، غير عابىء بتوسلات الجمهور الفقير الواقف إزاء طاولته بغية الحصول على معاملاته المتراكمة أمامه كرأس الشقعة.
وأخيراً، أرجو المعذرة لهذه المقارنة التي ما قصدتها إلا لأفتح عيون معالي وزرائنا الصغار على أشياء وأشياء مقرفة، مقيتة، مشرشحة ومسمّة للبدن، هم غافلون أو متغافلون عنها، لست أدري.
الدبور البيروتية، العدد 2398، تموز 1971
**