حفلة عشاء خيرية

حضرتي متزوّج، وزوجتي تشبه البدر الذي ديس أكثر من مرة، وظلّ محافظاً على جماله وهيبته. وهذا ما جعلني حائراً، حزيناً، مشوّش البال، أفكّر دائماً، وأتكلّم نادراً، وغير قادر على تحمّل المصيبة.
أجل، مصيبتي أيها القرّاء الأعزاء، هي وليدة الإغراء والجمال، اللذين تتمتّع بهما زوجتي.
تصوّروا أنني دعيت مؤخرّاً لحضور حفلة عشاء خيرية، وما أكثرها في هذا البلد السيّىء الطالع، وبالطبع اصطحبتها معي، وما أن ولجنا عتبة الدار، كما يقولون، حتّى تدفّق سيل عرم من الرجال الأشاوس، أصحاب الشعور المسترسلة، والقدود الميّاسة، والأحناك الرخوة، واللغات الملبننة، المفرنسة، المأنكلزة، وأخذ يرحب بنا، ويغمرنا بواسع حنوّه وعطفه.
هذا يطعمني قطعة بفتاك، وأصابعه ممسكة بطرفها حتى لا تلامس شفتيّ وشاربيّ، وذاك "يدحش"، إن صح التعبير، يده كلّها في فم زوجتي، مدّعياً أن اللقمة صغيرة.
وهكذا دواليك، حتى إعلان انتهاء العشاء، والبدء في الرقص. ويا ليت المعلن تأخّر قليلاً عن الكلام، لأنني صمّمت الرحيل فوراً، والعودة إلى البيت، حيث لا عجيج ولا ضجيج. ولكن مهما يكن من أمر، فلسوف أنسحب وأضرب عرض الحائط بوشوشة الهامسين، واستنكار المستنكرين، وتأويل النساء العاطلات إلا عن فبركة الأخبار، ونشر غسيل الناس الآمنين الطيّبين.
فتّشت عن زوجتي في كل أرجاء القاعة، في الزوايا وتحت الطاولات، في الحديقة وخلف الستائر، فلم أجدها، فاقتربت من سيّدة أعرفها، وسألتها عن رفيقة عمري، فأشارت غير مبالية: هناك!.
ونظرت إلى هناك، فوجدت سبعة رجال يهزجزن ويمرحون، ويشكلون دائرة صغيرة شبه متلاحمة.
دنوت منهم بحذر شديد، كي لا أعكّر صفو هنائهم، فسمعت أحدهم يقول:
ـ حا، دي، هش..
فما كان مني إلا أن انبطحت أرضاً، ورحت أفتح طريقي بين غابات الأرجل الكثيفة، حتى وصلت، من حيث لا أدري، إلى داخل الحلبة، وقبل أن أسترّد أنفاسي، شعرت بشخص يمتطيني ويصيح:
ـ جيب الرمح وهات السيف وناولني هالباروده
وثار غضبي، وعلا الإحمرار وجهي، وأيقنت أن معركتي قد حانت، فمددت يدي، وأمسكت بشعره، ورميته على الأرض، وناولته لكمة من لكماتي الفتيّة، وسط تصفير وإعجاب الشلّة المحترمة.
وغاب أخونا عن الوعي، فانتهرت المرأة الواقفة الى جانبي بحدّة، وقلت:
ـ يا سافلة، يا منحطّة، إمشي معي إلى البيت.
ورعدت أخت الرجال جملة مفيدة هي:
ـ ولاه.. عم تضرب مرقص؟
وأمطرتني بوابل من الضربات المحكمة، التي لو لم أتّقيها بساعديّ، لأصبحت مرحوماً لا تجوز لنفسه الرحمة.
نهضت مسرعاً، وأخذت أعدو باتجاه حلبة الرقص، وأنا أشكر المولى تعالى على إنقاذي من براثن زوجة مرقض، الفارس المسكين الذي امتطاني هازجاً، فامتطيته ملاكماً ثائراً مفتول السواعد.
دخلت أجواء الموسيقى والهز والفتولة كالمجنون الفالت حديثاً من سجن العصفورية، أو من دير الصليب، وما أن رأتني رئيسة الجمعية الخيرية حتى صاحت بي:
ـ أنت هنا ونحن نفتّش عنك؟!.. أسرع، أسرع، زوجتك تنتظرك في السيّارة منذ ربع ساعة.
صدّقوني انني لم أدعها تكمل كلامها، فأسرعت خارجاً من الباب الذي دخلت، ولسان حالي يردّد:
جينا نتعشّى ونرقص
ألله يلعن هالشّغله
تغلبطنا بزوجة مرقص
وكنّا كلناها قتله
الدبّور البيروتية، العدد2380، آذار 1971
**