عنتر زماني

دلّني على "زلمة بك" وخذ مئة ليرة لبنانية، وحبّة مسك، وقبلة بين عينيك. وثق، قارئي، بأنني لست أمزح، لأن الحالة النفسية التي وصلت إليها بعد أن استلمت تأشيرة للدخول إلى أستراليا، باتت تجبرني على اتخاذ مثل هذا القرار النيابي العاجل.
كنت أجلس مرتاح البال على شرفة منزلي، وبيدي مجلة أتصفّحها، وإذا بصديق عزيز علي، يناديني بصوت مرتفع ويقول:
ـ تعال بسرعة.. أريد أن أعرّفك بيوسف التك زلمة فلان الفلاني.
ـ ماذا تقول؟ اتركني.. أرجوك.
ـ إذا كنت خائفاً من المشاكل، فاعلم أنه ليس من أربابها.
ـ أف ما أثقلك، تجيئني بالمصيبة من تحت الأرض.
ـ هيّا تحرّك، سوف يعجبك كثيراً.
والحقّ أقول إنني ما أن مددت يدي لحضرة الأفندي يوسف، حتى أخذ قياسي بالطول والعرض، وقلّب شفتيه عدة مرات، وعضّ إصبعه علامة التفكير العميق، ثم تنحنح وشخر وقال:
ـ الظاهر إني أعرفك.. قل معي: طنّوس؟.
ـ لا..
ـ رستم؟..
ـ لا.. لا..
ـ حنتور بن زيدان؟
ـ حتى ولا جبّور بن ساعور.
ـ ها ها ها.. أنت مسعود، يا تلبيس كيف حالك؟
ـ يا أخي غلطان..
ـ صحيح والله، فمسعود مثل الفيل، وأنت مثل أبي الحن النقّار.
ـ لا بأس، محسوبك اسمه..
ـ وهيب.. ألي كذلك؟
ـ بلى، وهيب بن شربل بن سركيس البعيني، زوج بترونلّه مارون من مجدليّا الزاوية، الواقعة شرقي طرابلس، والمشهورة..
ـ فهمت..
ـ بزيتونها، وصفصافها..
ـ يا عمي فهمت..
ـ والتي تصدّركل عام إلى بلاد الكومنولث أفخر منتوجاتها الانسانية..
ـ بسّ..
ـ مثلها مثل باقي القرى اللبنانية..
ـ بسّ.. بسّ..
ـ المحرومة من الطرقات المعبّدة، لأن الإسفلت عندنا يكاد لا يسد "نيع" بعض الزعماء الجشعين أمثال زعيمك..
ـ خلصنا جعدنة..
ـ النائم على حرير..
ـ أكلتها يا مسكين..
ـ بينما أبناء الشعب ينامون على خوازيق مسنونة كأنياب الذي يعيلك..
ـ ستندم..
ـ ويدفع لك، لتصفّق له كلما عطس أو تحوزق..
ـ أين مسدسي؟
ـ ولهذا أقول: غداً، عندما تجيء الانتخابات النيابية، سأنتخب كل من لا يقتني في حظيرته أزلاماً، أو قصوراً، أو أموالاً مكدّسة في الصناديق ومطمورة تحت الأرض..
ـ سأقتلك..
ـ وسأنتخب أيضاً كل من لا يطمع بوزارة، أو بسفارة، أو بتجارة..
ـ ألله يرحمك سلفاً..
ـ وسأبتعد قدر المستطاع عن الحربائيين المتلونين كل ساعة بلون، حتى وإن كانوا شرفاء تهمّهم مصلحة هذا البلد البليد..
ـ إذا قلت كلمة بعد سأسلبك روحك..
ـ العبد لا يسلب روح سيّد..
ـ أنا عبد، يا وهيب بن شربل؟
ـ أجل.. أجل..
ـ اتركوني.. اتركوني..
ـ اتركوه، لنرى ماذا سيفعل؟
ـ لا شيء، أردت فقط أن أصافحك، وأهنئك على هذه الأخلاق الرفيعة، وأعتذر منك.. ووو.. وإلى اللقاء.
وهنا لم أعد قادراً على ضبط أعصابي، فانفجرت ضاحكاً من هذه القوة العنترية التي تملكتني، وعدت أدراجي إلى البيت، بينما كان صديقي يردد:
نشكر ألله اللي علقتو
مع زلمي فرخ
فردو مصدّى مع مرتو
ولازملو جلخ
الدبور البيروتية، الدد 2413، تشرين الأول 1971
**