"المشهد مكتب فخم ازدان بالأزهار الجميلة، وفي أحد جوانبه كنبة يجلس عليها نائب، يحمل ورقة وقلماً. يدخل عليه نائب آخر"
النائب الأول: صباح الخير يا عزيزي، أراك منهمكاً بكتابة خطاب سياسي!
النائب الثاني: "يرحب به ويجلسه إلى جانبه" أجل، أجل.. لقد دعيت مؤخراً لافتتاح مهرجان فني كبير..
الأول: مهرجان فنيّ؟!
الثاني: إيه.. مهرجان فني..
الأول: وما دخل السياسة بالفن؟
الثاني: سأغتنم الفرصة لبث آرائي بين جمهور الحاضرين.
الأول: ولكن هذا غشّ واحتيال!
الثاني: يمكنك أن تسميه ما شئت، ولكنه بنظري كسب شعبي، لا يمكنني الحصول عليه إلاّ في ظرف كهذا.
الأول: إلهذا الحدّ؟
الثاني: وأكثر..
الأول: حرام عليك يا صديقي.. دع الناس وشأنهم، دعهم ينعمون بالطرب، دعهم يصفّقون لصوت مطرب أعجبهم، فلقد ملّوا من التصفيق لنا، والتهبت حناجرهم من كثرة الصياح والصفير لدى رؤيتنا، دعهم ينعمون بعيداً عنّا ولو لمدة ساعتين فقط..
الثاني: ها.. ها.. لقد أصبحت مرشداً واعياً، وعهدي بك غير ذلك!
الأول: الأيام، يا عزيزي، تعلّم الانسان كل شيء.. حتّى الحكمة.
الثاني: وما معنى الحكمة؟
الأول: هو أن تعرف نتيجة عملك قبل الإقدام عليه.
الثاني: أعرفها يا سيّدي..
الأول: وهو أيضاً التطلّع إلى المستقبل من خلال الماضي والحاضر..
الثاني: لم أفهم..
الأول: ستفهم غداً، والغد قريب. والآن أرجوك أن تقرأ لي بعضاً مما كتبت في خطابك هذا.
الثاني: "يقف وقفة شاعر" إسمع:
سيّداتي، آنساتي، سادتي
جئت أقول كلمه
ليست كباقي الكلمات
فيها صدق وسلامه
فيها دعم للحياة
ما رأيك؟
الأول: أهذا شعر.. أم أنني غلطان؟
الثاني: لا بل أنت على صواب..
الأول: ومن أين حصلت عليه؟
الثاني: دفعت ثمنه..
الأول: "تأخذه الدهشة" وكيف؟!
الثاني: قصدت شاعراً مغموراً، وطلبت منه نظم قصيدة تلهب الأكفّ.
الأول: وهذا مطلعها؟
الثاني: أجل..
الأول: وبالطبع ستقول إنك أنت مؤلفها؟
الثاني: "بحدة" ألم أدفع ثمنها؟ ثم لا تنسَ يا صديقي أن الشاعر يلاقي العطف أينما حلّ.
الأول: وهل يرضى الشاعر؟
الثاني: أعرف كيف أسكته..
الأول: أكمل..
الثاني: "وكأنه يفتّش عن ورقة أضاعها" سأقرأ عليك بعض الفقرات التي أضفتها إلى القصيدة.
الأول: تفضل.. كلّي آذان صاغية.
الثاني: الحكم رديء عندنا لدرجة قصوى، تصوّروا أنني قلت لأحد المسؤولون..
الأول: "مصححاً له" لأحد المسؤولين..
الثاني: إنني شخصاً..
الأول: "يقاطعه بتأفف" إنني شخصٌ.. شخصٌ
الثاني: .. شخصٌ تهمّه مصلحة البلاد قبل كل شيء، ولذا طلبت منه منصباً وزارياً، لعلّي بذلك أخدم الشّعب الذي نذرت نفسي لخدمته، وأنا كما تعلمون لا تهمّني المناصب بقدر ما تهمّني مصالحكم.
الأول: "يصفّق" الجملة الأخيرة رائعة، أهنّئك عليها، ولكن هل صحيح ما تقول؟
الثاني: نحن لنا أن نقول، ولهم أن يصدّقوا..
الأول: وممن طلبت المنصب؟
الثاني: "يشعل سيجارة وينفخ دخانها في الفضاء" هم وعدوني به في ظرف إستثنائي، ولكنهم أخلّوا بوعدهم في ظرف إستثنائي آخر.
الأول: "يضرب كفاً بكف" وقعت يا مسكين!
الثاني: "يحملق به" ألم تقع قبلي؟
الأول: "بحسرة وألم" مراراً..
الثاني: إذن..
الأول: أذكر يوم انتخاب رئيس المجلس في العام، في العام..
الثاني: الحاصل..
الأول: اقترب مني أحدهم وقال لي همساً: ضع هذه الورقة في الصندوق، لأضع في جيبك مبلغاً كبيراً من المال، فأخذت الورقة منه ووضعتها في الصندوق، دون أن أفتحها، أو أعرف اسم الشخص الذي كُتب بداخلها.
الثاني: "وقد نفذ صبره" أخبرني هل قبضت المبلغ بعد ذلك؟
الأول: قبضت نصفه..
الثاني: والنصف الآخر؟!
الأول: طار..
الثاني: أنت طيّروا لك نصف مبلغك، وأنا طيّروا لي نصف عقلي..
الأول: وما العمل؟
الثاني: ادعُ أحدهم إلى مأدبة عشاء فاخر وسترى..
الأول: جرّبت هذا، ولم ينفع..
الثاني: هدّد بإقامة مهرجان شعبي، وسترى..
الأول: هدّدت ولم يبالوا..
الثاني: "بعصبية بالغة" ادعُ الشعب إلى المهرجان..
الأول: دعوته ولم يحضر..
الثاني: .. وكيف نجحت في الانتخابات؟
الأول: "بصوت منخفض" كان عندي قطعة أرض بعتها ووزعت ثمنها على الفقراء المساكين، الذين يحقّ له التصويت فقط..
الثاني: أف، أنت حالتك صعبة جداً..
الأول: ولهذا تراني صامتاً، وحكيماً، وكبير العقل..
الثاني: آه، على فوقة، هل ستمنح الثقة للحكومة الجديدة؟
الأول: ولو على قطع رأسي..
الثاني: وأنا أيضاً، والله والله سأقيم الأرض وأقعدها في جلسة الثقة غداً، وسأهاجم الجميع، وخاصّة دولة الرئيس. "يرن هاتفه النقّال".. ألو، من؟ صباح الخير دولة الرئيس، كيف حالك؟ ماذا؟ تكرم، تكرم، والله لأعطيك عيوني مع الثقة.. مع ألف سلامة.
الأول: هه، ماذا قال لك؟ وماذا قلت له؟
الثاني: ألم تسمعني؟
الأول: بلى.. ولكني حسبتك تمزح..
الثاني: أمزح؟!.. مستحيل، فلقد وعدته.
الأول: عكس ما أقسمت عليه منذ برهة!
الثاني: "يضحك ملء فمه" أولاً: هذه سياسة، ثانياً: يحقّ للنائب ما لا يحق لغيره.
الأول: "بسخرية" وخصوصاً إذا كان شاعراً.
الدبور البيروتية، العدد 2310، تشرين أول 1969
**