بل أيلول كله

"وجدت فيك النواة الصالحة لهذا الفرع القيّم من الأدب الحي"
بهذه العبارة قدّم الاديب يوسف يونس مجموعة مخايل نمنوم الأولى: بل أيلول كله.
وقد يكون في هذه العبارة بعض المبالغة، إلاّ أنها لا تخلو من الصدق. فمخايل نمنوم برعم سيتفتّح بعد الارتواء الجيّد. فشطحات قلمه تدل دلالة واضحة على أن خلف السحاب قمراً، وأسلوبه السرابي السريع يبشّر بهطول مطر غزير، ففي كلماته شيء من الحنو والرأفة، إذ أنه لا يقسو عليها، بل يعاملها برقّة، وينظّفها من بعض الأدران التي قد تعلق بها من جرّاء النمو وعدم الثبات.
نراه في "كرامة ترابنا" بركاناً ثائراً على الهجرة، وعلى من يدعو إليها، ويؤكّد أن كل ذرة من تراب لبنان تساوي الدنيا وما فيها، فهي خير من أعطى بصدق، وخير من ضحّى بصمت.
ونتابع القراءة بشغف مصحوب بالانتباه، حتى نصل إلى قصة تحمل عنوان الكتاب، ويا ليتها لم تكن فيه، لأنها كالرجل الفاقد العينين واليدين، تدور حول نفسها بشكل مملّ، لدرجة تخال بعدها أن الكاتب أرادها ليبيّن طائفية أهل القرى، وبالأخصّ نسائها، دون أن يداوي الجرح الذي تبرّع بتطبيبه.
وتمضي ساعة ونحن نتصفّح الكتاب، فتمرّ أمامنا أسماء وحوادث القصص الباقية، دون التأثّر بواحدة منها، وكأنّ الكتاب يتضمّن صفحات هي أقرب إلى المقالات منها إلى القصص.
ولكن ما الفرق، فالقلم متى تتلمذ أعطى، ومتى اعتاد السير، قلّ تماهله وتباطؤه.
وأخيراً أقول إن مخايل نمنوم بحاجة إلى رعاية وحماية، لأنه يبشّر بمستقبل حسن.
الدبور البيروتية، العدد 2384، نيسان 1971
**